كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



وقد قدمنا أن تحريم الرجل امرأته فيه للعلماء عشرون قولًا، وسنذكرها هنا باختصار ونبين ما يظهر لنا رجحانه بالدليل منها إن شاء الله تعالى.
القول الأول: هو أن تحريم الرجل امرأته لغو باطل، لا يترتب عليه شيء. قال ابن القيم في إعلام الموقعين: وهو إحدى الروايتين، عن أبن عباس، وبه قال مسروق، وأبو سلمة بن عبد الرحمن، وعطاء، والشعبي، وداود وجميع أهل الظاهر، وأكثر أصحاب الحديث، وهو أحد قولي المالكية. اختاره أصبغ بن الفرج. وفي الصحيح عن سعيد بن جبير أنه سَمعَ ابن عباس يقول: إذا حَرَّم امرأته، فليس بشيء، وقال: {لقد كان لَكُمْ في رَسُول الله أَسْوَةٌ حَسَنَةٌ} وصح عن مسروق أنه قال: ما أبالي أحرمت امرأتي أو قصعة من ثريد. وصح عن الشعبي في تحريم المرأة لهو أهون عَلَيَّ من نعلي. وقال أبو سلمة: ما أبالي أحرمت امرأتي أو حرمت ماء النهر. وقال الحجاج ابن منهال: إن رجلًا جعل امرأته عليه حرامًا، فسأل عن ذلك حميد بن عبد الرحمن، فقال حميد قال الله تعالى: {فَإذَا فَرَغْتَ فانصب وإلى رَبّكَ فارغب} [الشرح: 78]. وأنت رجل تلعب فاذهب فالعب. اهـ. منه.
واستدل أهل هذا القول بقوله تعالى: {وَلاَ تَقُولُوا لمَا تَصفُ أَلْسنَتُكُمُ الكذب هذا حَلاَلٌ وهذا حَرَامٌ لّتَفْتَرُوا على الله الكذب إنَّ الذين يَفْتَرُونَ على الله الكذب لاَ يُفْلحُونَ} [النحل: 116]. وقوله تعالى: {يا أيها الذين آمَنُوا لاَ تُحَرّمُوا طَيّبَات مَآ أَحَلَّ الله لَكُمْ}.
[المائدة: 87] وعموم قوله تعالى: {قُلْ هَلُمَّ شُهَدَاءَكُمُ الذين يَشْهَدُونَ أَنَّ الله حَرَّمَ هذا فَإن شَهدُوا فَلاَ تَشْهَدْ مَعَهُمْ} [الأنعام: 150]. وعموم قوله تعالى: {يا أيها النبي لمَ تُحَرّم مَآ أَحَلَّ الله لَك} [التحريم: 1] الآية. وعموم قوله صلى الله عليه وسلم: «من عمل عملًا ليس عليه أمرنا فهو رد» ومعلوم أن تحريم ما أحل الله ليس من أمرنا.
القول الثاني: أن التحريم ثلاث تطليقات، قال في إعلام الموقعين: وبه قال علي بن أبي طالب رضي الله عنه، وزيد بن ثابت، وابن عمر، والحسن البصري، ومحمد عبد الرحمن بن أبي ليلى. وقضى فيها أمير المؤمنين علي رضي الله عنه بالثلاث في عدي بن قيس الكلابي، وقال: والذي نفسي بيده لئن مسستها قبل أن تتزوج غيرك لأرجمنك: وقال في زاد المعاد: وروي عن الحكم بن عتبية ثم قال: قلت الثابت عن زيد بن ثابت وابن عمر: أن في ذلك كفارة يمين، وذكر في الزاد أيضًا: أن ابن حزم نقل عن علي الوقف في ذلك، وحجة هذا القول بثلاث أنها لا تحرم عليه إلا بالثلاث، فكان وقوع الثلاث من ضرورة كونها حرامًا عليه.
القول الثالث: أنها حرام عليه بتحريمه إياها: قال في إعلام الموقعين: وصح هذا أيضًا عن أبي هريرة، والحسن، وخلاس بن عمرو، وجابر بن زيد وقتادة، ولم يذكر هؤلاء طلاقًا بل أمروه باجتنابها فقط. وصح ذلك أيضًا علي رضي الله عنه، فإما أن يكون عنه روايتان، وإما أن يكون أراد تحريم الثلاث، وحجة هذا القول أن لفظه إنما اقتضى التحريم، ولم يتعرض لعدد الطلاق فحرمت عليه بمقتضى تحريمه.
القول الرابع: الوقف. قال في إعلام الموقعين: صح ذلك أيضًا عن أمير المؤمنين علي رضي الله عنه، وهو قول الشعبي، وحجة هذا القول: أن التحريم ليس بطلاق، وهو لا يملك تحريم الحلال، إنما يملك إنشاء السبب الذي يحرم به، وهو الطلاق وهذا ليس بصريح في الطلاق، ولا هو مما ثبت له عرف الشرع في تحريم الزوجة، فاشتبه الأمر فيه فوجب الوقف للاشتباه.
القول الخامس: إن نوى به الطلاق فهو طلاق، وإلا فهو يمين. قال في الأعلام: وهذا قول طاوس والزهري، والشافعي، ورواية عن الحسن. اهـ.
وحكى هذا القول أيضًا عن النخعي وإسحاق وابن مسعود وابن عمرو حجة هذا القول، أن التحريم كناية في الطلاق، فإن نواه به كان طلاقًا، وإن لم ينوه كان يمينًا لقوله تعالى: {يا أيها النبي لمَ تُحَرّم مَآ أَحَلَّ الله لَك} [التحريم: 1] إلى قوله تعالى: {قَدْ فَرَضَ الله لَكُمْ تَحلَّةَ أَيْمَانكُمْ} [التحريم: 2].
القول السادس: أنه إن نوى به الثلاث فثلاث، وإن نوى واحدة فواحدة بائنة، وإن نوى يمينًا فهو يمين، وإن لم ينو شيئًا فهو كذبة لا شيء فيها، قاله سفيان، وحكاه النخعي عن أصحابه، وحجة هذا القول، أن اللفظ محتمل لما نواه من ذلك فيتبع نيته.
القول السابع: مثل هذا إلا أنه إن لم ينو شيئًا فهو يمين يكفرها، وهو قول الأوزاعي. وحجة هذا القول ظاهر قوله تعالى: {قَدْ فَرَضَ الله لَكُمْ تَحلَّةَ أَيْمَانكُمْ} [التحريم: 2].
القول الثامن مثل هذا أيضًا، إلا أنه لم ينو شيئًا فواحدةت بائنة إعمالًا للفظ التحريم، هكذا ذكر هذا القول في: إعلام الموقعين ولم يعزه لأحد.
وقال صاحب نيل الأوطار: وقد حكاه ابن حزم عن إبراهيم النخعي.
القول التاسع: أن فيه كفارة الظهار. قال في إعلام الموقعين: وصح ذلك عن ابن عباس أيضًا، وأبي قلابة، وسعيد بن جبير، ووهب بن منبه، وعثمان البتي، وهو إحدى الروايات عن الإمام أحمد، وحجة هذا القول أن الله تعالى جعل تشبيه المرأة بأمه المحرمة عليه ظهارًا وجعله منكرًا من القول وزورًا، فإذا كان التشبيه بالمحرمة يعجله مظاهرًا، فإذا صرح بتحريمها كان أولى بالظهار، وهذا أقيس الأقوال وأفقهها، ويؤيده أن الله لم يجعل للمكلف التحريم والتحليل، وإنما ذلك إليه تعالى، وإنما جعل له مباشرة الأفعال والأقوال، التي يترتب عليها التحريم والتحليل، فالسبب إلى العبد وحكمه إلى الله تعالى، فإذا قال: أنت عَلَيَّ كظهر أمي أو قال: أنت عَلَيَّ حرام، فقد قال المنكر من القول والزور، وقد كذب، فإن الله لم يجعلها كظهر أمه، ولا جعلها عليه حرام، فأوجب عليه بهذا القول من المنكر والزور أغلظ الكفارتين وهي كفارة الظهار.
القول العاشر: أنه تطليقه واحدة: وهي إحدى الروايتين عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه، وقول حماد بن أبي سليمان شيخ أبي حنيفة، وحجة هذا القول أن تطليق التحريم لا يقتضي التحريم بالثلاث، بل يصدق بأقله والواحدة متيقنة، فحمل اللفظ عليها، لأنها اليقين فهو نظير التحريم بانقضاء العدة.
القول الحادي عشر: أنه ينوي فيما أراد من ذلك، فيكون له نيته في أصل الطلاق وعدده، وإن نوى تحريمًا بغير طلاق فيمين مكفرة. قال ابن القيم: وهو قول الشافعي.
وحجة هذا القول: أن اللفظ صالح لذلك كله، فلا يتعين واحد منها إلا بالنية، فإن نوى تحريمًا مجردًا كان امتناعًا منها بالتحريم كامتناعه باليمين، ولا تحرم عليه في الموضعين. اهـ. وقد تقدم أن مذهب الشافعي هو القول الخامس.
قال في نيل الأوطار: وهو الذي حكاه عنه في فتح الباري حكاه عنه ابن القيم نفسه.
القول الثاني عشر: أنه ينوي في أصل الطلاق وعدده، إلا أنه إن نوى واحدة كانت بائنة، وإن لم ينو طلاقًا فهو مؤل، وإن نوى الكذب فليس بشيء وهو قول أبي حنيفة وأصحابه.
وحجة هذا القول احتمال اللفظ لما ذكره، إلا أنه إن نوى واحدة كانت بائنة، لاقتضاء التحريم للبينونة، وهي صغرى وكبرى، والصغرى هي المتحققة، فاعتبرت دون الكبرى، وعنه رواية أخرى إن نوى الكذب دين، ولم يقبل في الحكم بل يكون مؤليًا، ولا يكون ظهارًا عنده نواه، أو لم ينوه ولو صرح به فقا: أعني بها الظهار لم يكن مظاهرًا انتهى من إعلام الموقعين.
وقال الشوكاني في نيل الأوطار، بعد أن ذكر كلام ابن القيم: الذي ذكرناه آنفًا إلى قوله: وهو قول أبي حنيفة وأصحابه هكذا قال ابن القيم: وفي الفتح عن الحنفية: أنه إذا نوى اثنتين فهي واحدة بائنة، وإن لم ينو طلاقًا فهي يمين ويصير مؤليًا. اهـ.
القول الثالث عشر: أنه يمين يكفره ما يكفر اليمين. قال ابن القيم في إعلام الموقعين: صح ذلك عن أبي بكر الصديق، وعمر بن الخطاب، وابن عباس، وعائشة، وزيد بن ثابت، وابن مسعود، وعبد الله بن عمر، وعكرمة وعطاء، ومكحول، وقتادة، والحسن، والشعبي، وسعيد بن المسيب، وسليمان بن يسار، وجابر بن زيد، وسعيد بن جبير، ونافع، والأوزاعي، وأبي ثور، وخلق سواهم رضي الله عنهم.
وحجة هذا القول ظاهر القرآن العظيم، فإن الله تعالى ذكر فرض تحلة الأيمان عقب تحريم الحلال، فلابد أن يتناول يقينًا فلا يجوز جعل تحلة الإيمان لغير المذكور قبلها، ويخرج المذكور عن حكم التحلة التي قصد ذكرها لأجله. اهـ منه.
قال مقيده عفا الله عنه وغفر له: الظاهر أن ابن القيم أراد بكلامه هذا أن صورة سبب النزول قطعية الدخول، وأن قوله: {قَدْ فَرَضَ الله لَكُمْ تَحلَّةَ أَيْمَانكُمْ} [التحريم: 2] نازل في تحريم الحلال المذكور في قوله تعالى: {لمَ تُحَرّم مَآ أَحَلَّ الله لَك} [التحريم: 1] وما ذكره من شمول قوله: {قَدْ فَرَضَ الله لَكُمْ تَحلَّةَ أَيْمَانكُم} لقوله: {لمَ تُحَرّم مَآ أَحَلَّ الله لَك} على سبيل اليقين. والجزم لا يخلو عندي من نظر لما قدمنا عن بعض أهل العلم من أن قوله: {قَدْ فَرَضَ الله لَكُمْ تَحلَّةَ أَيْمَانكُمْ} نازل في حلف النبي صلى الله عليه وسلم لا يعود لما حرم على نفسه لا في أصل التحريم، وقد أشرنا للروايات الدالة على ذلك في أول هذا البحث.
القول الرابع عشر: أنه يمين مغلظة يتعين فيها عتق رقبة. قال ابن القيم: وصح ذلك أيضًا عن ابن عباس، وأبي بكر، وعمر، وابن مسعود، وجماعة من التابعين.
وحجة هذا القول أنه لما كان يمينًا مغلظة غلظت كفارتها بتحتم العتق، ووجه تغليظها، تضمنها تحريم ما أحل الله، وليس إلى العبد. وقول المنكر والزور، وإن أراد الخبر فهو كاذب في إخباره معتد في إقسامه، فغلظت كفارته بتحتم العتق كما غلظت كفارة الظهار به أو بصيام شهرين، أو بإطعام ستين مسكينًا.
القول الخامس عشر: أنه طلاق ثم إنها كانت غير مدخول بها، فهو ما نواه من الواحدة وما فوقها. وإن كانت مدخولًا به فثلاث، وإن نوى أقل منها، وهو إحدى الروايتين عن مالك.
وحجة هذا القول: أن اللفظ لما اقتضى التحريم وجب أن يرتب عليه حكمه وغير المدخول بها تحرم بواحدة، ت والمدخول بها لا تحرم إلا بالثلاث.
وبعد: ففي مذهب مالك خمسة أقوال هذا أحدها: وهو مشهورها. والثاني: أنها ثلاث بكل حال نوى الثلاث أو لم ينوها اختاره عبد الملك في مبسوطه. والثالث: أنها واحدة بائنة مطلقًا حكاه ابن خويز منداد رواية عن مالك. والرابع: أنه واحدة رجعية، وهو قول عبد العزيز بن أبي سلمة. والخامس: أنه ما نواه من ذلك مطلقًا، سواء قبل الدخول أو بعده، وقد عرفت توجيه هذه الأقوال. انتهى من إعلام الموقعين.
قال مقيده عفا الله عنه وغفر له: المعروف أن المعتمد من هذه الأقوال عند المالكية: اثنان وهما القول بالثلاث، وبالواحدة البائنة، وقد جرى العمل في مدينة فاس بلزوم الواحدة البائنة في التحريم. قال ناظم عمل فاس:
وطلقة بائنة في التحريم ** وحلف به لعرف الإقليم

ثم قال ابن القيم رحمه الله في إعلام الموقعين: وأما تحرير مذهب الشافعي فإنه إن نوى به الظهار كان ظهارًا، وإن نوى التحريم كان تحريمًا لا يترتب عليه إلا تقدم الكفارة، وإن نوى الطلاق كان طلاقًا، وكان ما نواه وإن أطلق فلأصحابه فيه ثلاث أوجه:
أحدها: أنه صريح في إيجاب الكفارة.
والثاني: لا يتعلق به شيء.
والثالث: أنه في حق الأمة صريح في التحريم الموجب للكفارة، وفي حق الحرة كناية، قالوا: إن أصل الآية إنما ورد في الأمة، قالوا فلو قال: أنت عَلَيَّ حرام، وقال أردت بها الظهار والطلاق. فقال ابن الحداد: يقال له عين أحد الأمرين، لأن اللفظة الواحدة لا تصلح للظهار والطلاق معًا، وقيل: يلزمه ما بدأ به منهما، قالوا: ولو ادعى رجل على رجل حقًا أنكره فقال: الحل عليك حرام والنية نيتي لا نيتك ما لي عليك شيء فقال: الحل عَلَيَّ حرام والنية في ذلك نيتك ما لك عندي شيء كانت النية نية الحالف لا المحلف، لأن النية إنما تكون ممن إليه الإيقاع ثم قال: وأما تحرير مذهب الإمام أحمد فهو أنه ظهار بمطلقه، وإن لم ينوه إلا أن ينوي به الطلاق أو اليمين، فيلزمه ما نواه، وعنه رواية ثانية أنه يمين بمطلقه، إلا أن ينوي به الطلاق، أو الظهار فيلزمه ما نواه، وعنه رواية ثالثة: أنه ظهار بكل حال، ولو نوى به الطلاق أو اليمين لم يكن يمينًا، ولا طلاقًا كما لو نوى الطلاق أو اليمين بقوله: أنت عَلَيَّ كظهر أمي، فإن اللفظين صريحان في الظهار، فعلى هذه الرواية لو وصله بقوله: أعني به الطلاق، فهل يكون طلاقًا أو ظهارًا؟ على روايتين: إحداهما: يكون ظهارًا كما لو قال: أنت عَلَيَّ كظهر أمي أعني به الطلاق، أو التحريم، إذا التحريم صريح في الظهار.
والثانية: أنه طلاق، لأنه قد صرح بإرادته بلفظ يحتمله، وغايته أنه كناية فيه، فعلى هذه الرواية، إن قال: أعني به طلاقًا طلقت واحدة، وإن قال: أعني به الطلاق، فهل تطلق ثلاثًا أو واحدة، على روايتين مأخذهما هل اللام على الجنس أو العموم، وهذا تحرير مذهبه وتقريره، وفي المسألة مذهب آخر وراء هذا كله، وهو أنه إن أوقع التحريم، كان ظهارًا ولو نوى به الطلاق، وإن حلف به كان يمينًا مكفرة، وهذا اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية، وعليه يدل النص والقياس، فإنه إذا أوقعه كان قد أتى منكرًا من القول وزورًا، وكان أولى بكفارة الظهار من شبه امرأته بالمحرمة، وإذا حلف به كان يمينًا من الأيمان كما لو حلف بالتزام الحج والعتق والصدقة، وهذا محض القياس والفقه ألا ترى أنه إذا قال: لله علي أن أعتق، أو أحج، أو أصوم، لزمه، ولو قال: إن كلمت فلانًا فلله علي ذلك على وجه اليمين، فهو يمين وكذلك لو قال: هو يهودي أو نصراني كفر بذلك، ولو قال: إن فعل كذا فهو يهودي أو نصراني كان يمينًا. وطرد هذا بل نظيره من كل وجه أنه إذا قال: أنت عَلَيَّ كظهر أمي كان ظهارًا، فلو قال: إن فعلت كذا، فأنت عَلَيَّ كظهر أمي كان يمينًا، طرد هذا أيضًا إذا قال: أنت طالق كان طلاقًا ولو قال: إن فعلت كذا فأنت طالق كان يمينًا، فهذه هي الأصول الصحيحة المطردة المأخوذة من الكتاب والسنة والميزان، وبالله التوفيق، انتهى كلام ابن القيم رحمه الله تعالى.
قال مقيده عفا الله عنه وغفر له: أظهر أقوال أهل العلم عندي مع كثرتها وانتشارها: أن التحريم ظهار، سواء كان منجزًا أو معلقًا، لأن المعلق على شرط من طلاق أو ظهار يجب بوجود الشرط المعلق عليه، ولا ينصرف إلى اليمين المكفرة على الأظهر عندي، وهو قول أكثر أهل العلم.
وقال مالك في الموطأ: فقال القاسم بن محمد: إن رجلًا جعل امرأة عليه كظهر أمه إن هو تزوجها فأمره عمر بن الخطاب إن هو تزوجها، ألا يقربها حتى يكفر كفارة المتظاهر. اهـ.
ثم قال: وحدثني عن مالك: أنه بلغه أن رجلًا سأل القاسم بن محمد وسليمان بن يسار عن رجل تظاهر من امرأة قبل أن ينكحها، فقالا: إن نكاحها فلا يمسها حتى يكفر كفارة المتظاهر. اهـ.
والمعروف عن جماهير أهل العلم أن الطلاق المعلق يقع بوقوع المعلق عليه، وكذلك الظهار.
وأما الأمة فالأظهر أن في تحرمها كفارة اليمين أو الاستغفار، كما دلت عليه آية سورة التحريم كما تقدم إيضاحه. والعلم عند الله تعالى.
المسألة الثانية عشرة: اعلم أن العلماء اختلفوا في العبد والذمي هل يصح منهما ظهار؟ وأظهر أقوالهم عندي في ذلك: أن العبد يصح منه الظهار، لأن الصحيح دخوله في عموم النصوص العامة، إلا ما أخرجه منه دليل خاص، كما تقدم، وإليه الإشارة بقول صاحب مراقي السعود:
والعبد والموجود والذي كفر ** مشمولة له لدى ذوي النظر

وعليه فهو داخل في عموم قوله: {والذين يُظَاهرُونَ من نّسَآئهمْ} [المجادلة: 3] ولا يقدح في هذا أن قوله: {فَتَحْريرُ رَقَبَةٍ} [المجادلة: 3] لا يتناوله، لأنه مملوك لا يقدر على العتق لدخوله في قوله: {فَمَن لَّمْ يَجدْ فَصيَامُ شَهْرَيْن} [المجادلة: 4] فالأظهر صحة ظهار العبد وانحصار كفارته في الصوم، لعدم قدرته على العتق والإطعام، والذمي كافر والكافر لا يكفر عنه العتق أو الصوم أو الإطعام ما ارتكبه من المنكر والزور لكفره، لأن الكفر سيئة لا تنفع معها حسنة والعلم عند الله تعالى.